مقاطعتنا لدنمارك ليست الحل إطلاقاً.. لكن الحل......

لا يمكن لأي منا أن يعتبر ما نتج عن رسام الكاريكاتير الدنمركي من رسوم مسيئة بشكل فيه تجني وتزييف على خاتم الأنبياء وسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، لا يمكن اعتبار ما نتج عن تلك الافتراءات من رد فعل إسلامي عربي إلا أقل القليل في حق سيدنا وشفيعنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم. بالرغم من اعتذار الحكومة الدنمركية والحراك الذي قامت به عبر سفاراتها وممثليها في جميع الدول الإسلامية والعربية إلا أن الجرح كان غائراً وما اقترفته يد معتوه واحد انعكست نتائجه على شعب واقتصاد هذا الشعب بأكمله.

لكن هذه الأزمة طرحت تساؤلاً حقيقياً ومهم، وهو أن الثقافة الدنمركية وغيرها من الثقافات الغربية مازالت تجهل الكثير عن سيدنا العظيم محمد والدين الإسلامي وما جاء به من رسالة سامية، ومن منطلق الآية الكريمة (جادلوهم بالتي هي أحسن) مازال يتوجب علينا نقل الصورة الصحيحة والتعريف بديننا ونبينا ومخاطبتهم بلغتهم لإيصال سماحة هذا الدين ونبوءة هذا النبي وجهاده في سبيل نشر السلام الذي جاء به دين الحق.

حتى في هذه الفترة، ونحن نعيش تقريباً نفس الأجواء بعد قيام بعض الشباب الذين لا ينتمون لأي فكر أو عقيدة أو مذهب بالإساءة مره أخرى للمصطفى الأمين (ص)، لا يمكننا التغاضي عن وعدم احترام اعتذار الحكومة الدنمركية الذي جاء على لسان رئيس وزرائها السيد اندرو راسموسن وأدان تلك التصرفات غير المسئولة قائلاً (إن هذا السلوك الشائن لا يمثل إلا تلك المجموعة الصغيرة و ليس المجتمع الدانمركي وثقافته. كما أنها لا تمثل نظرة الشعب الدانمركي الحقيقية للإسلام والمسلمين). لا يمكننا التغاضي عن هذه الإدانة والشجب من رئيس وزرائهم وتقديرهم وأسفهم ووقوفهم بالتالي حكومة وشعب إلى جانب مشاعر الإسلام والمسلمين.

إن هذه الإدانة وهذا الشجب يدلنا بشكل حقيقي وواضح على الموقف الرسمي والشعبي لمملكة الدنمرك، ونحن إذ لا نريد أن نحمل شعب بأكمله نتيجة ما قام به مجموعة من أفراده غير السويين، لابد أن نستوعب حقيقة لا خيار آخر لنا غير مواجهتها وهي أن الإساءة للإسلام ورموزه سوف تستمر طالما استمر هذا الجهل الرهيب وانغلقت طرق وسبل الحوار ما بيننا وبين عمق الشعوب والثقافات الغربية. إن الله عز وجل يقول في محكم تنزيله (وادعو إلى ربك بالموعظة)، علينا التفكير بشكل أكثر مسئولية وعقلانية، نعم اُسيء لنا في أعز ما نملك وأثمن ما نتنفس في هذه الدنيا من اجله، وسيُساء لنا لأننا مازلنا نعيش في عالماً مترامي الأطراف خصوصاً بعد أحداث سبتمبر التي بدأت الكثير من الشعوب بسببها وصم ديننا الحنيف بالعنف والقوة والإرهاب، كيف لنا أن نوصل إليهم مصداقية السلم والسماحة في ديننا ونحن ما زلنا نعاني مرارة هذه الفجوة بين ثقافتينا؟؟؟

المقاطعة ليست كل شي، وليست الحل دون أدنى شك، وإذا كانت لدى البعض هي السلاح الوحيد ضد الدنمرك فما هو غداً سلاحنا ضد فرنسا، والسويد وأمريكا و.. و... كل الشعوب التي من المؤكد أن فيها من لا يحترم ما يجهل؟؟؟

لماذا لا نتحد في وجهة هذا الجهل بديننا ونوصل لهذا العمق رسالة واحد ونبيلة بلغته مفادها أن ديننا دين تسامح وسلام وداعية للحب والوئام مع شعوب العالم، وأن هذا المعلم القائد الملهم الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه جاء (ليتم مكارم الأخلاق).

بعد ما مضت كل هذه الفترة على المقاطعة، قد يشعر البعض منا أنه حقق جزء من أهدافنا بإيلامهم، لكننا فعلياً لم نحقق شئ على صعيد الدين الإسلامي، رسام الكاريكاتير ما يزال موجوداً على جهله بل ربما زاد بغضه لديننا بعد الحملة العنيفة التي قوبل بها بدلاً من الجلوس معه وحواره بالتي هي أحسن، وامتد فكره وانطباعه ليتشبع به هؤلاء الصبية ويتجرؤوا على سيد خلق الدنيا وحامل لواء أغلى رسله.. لماذا؟؟!!

لأننا خاطبنا فقط الجيوب ولم نخاطب العقول، الحكومة وقفت في السابق واليوم إلى جانب الإسلام والمسلمين واعتذرت واستنكرت، لا يجب علينا بأي حال من الأحوال خذلها وشعبها الذي ذكر في العديد من التصاريح أنه ينبذ ويبرأ من هذه الأعمال العنصرية الشائنة التي تسيء لدين ومعتقد ورمز من اعز رموزه. إن العقل والمنطق يحتم علينا الوقف مع حملة عالمية نوصل فيها صوت الدين عبر علماء المسلمين ودعهم المستمر لنشر الوعي حول الدين الإسلامي وإيصال حقيقة أن الدين جاء برسالة ولم يأتي قط بحد السيف. هنالك الكثير مما يمكن للمسلم منا القيام به وتعزيز موقفنا وموقف حكومة وشعب الدنمرك التي ساندتنا في وجهة هذه الهجمة على ديننا وعلينا.

علينا أن نواجه أنفسنا بحقيقة مطلقة ألا وهي أننا... نريد أن نعرّف بدين الحق والسلام، لا نريد أن يجهل مضامينه السامية أحداً أو يستمر جاهلاً لتلك المضامين أحد على ظهر هذه الكرة الأرضية. إن الرسول جادل وجادل... لماذا لا نجادل للتعريف بعظمته؟!